فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان:

قال الزمخشري: (فإن قلت): قد ثبت أن الله عزّ وعلا يغفر الشرك لمن تاب منه، وأنه لا يغفر ما دون الشرك من الكبائر إلا بالتوبة، فما وجه قوله: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}؟ (قلت): الوجه أن يكون الفعل المنفي والمثبت جميعًا موجهين إلى قوله: {لمن يشاء} كأنه قيل: إنّ الله لا يغفر لمن يشاء الشرك، ويغفر لمن يشاء ما دون الشرك.
على أن المراد بالأول مَن لم يتب، وبالثاني مَن تاب.
ونظيره قولك: إنّ الأمير لا يبذل الدينار ويبذل القنطار لمن يستأهله انتهى كلامه.
فتأول الآية على مذهبه.
وقوله: قد ثبت أن الله عز وعلا يغفر الشرك لمن تاب عنه، هذا مجمع عليه.
وقوله: وإنه لا يغفر ما دون الشرك من الكبائر إلا بالتوبة.
فنقول له: وأين ثبت هذا؟ وإنما يستدلون بعمومات تحتمل التخصيص، كاستدلالهم بقوله: {ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا} الآية، وقد خصصها ابن عباس بالمستحل ذلك وهو كافر.
وقوله: قال: فجزاؤه إن جازاه الله.
وقال: الخلود يراد به المكث الطويل لا الديمومة لا إلى نهاية، وكلام العرب شاهد بذلك.
وقوله: إن الوجه أن يكون الفعل المنفي والمثبت جميعًا موجهين إلى قوله: {لمن يشاء}، إن عنى أنّ الجار يتعلق بالفعلين، فلا يصح ذلك.
وإن عنى أن يقيد الأول بالمشيئة كما قيد الثاني فهو تأويل.
والذي يفهم من كلامه أنّ الضمير الفاعل في قوله: {يشاء} عائد على {مِنْ}، لا على الله.
لأن المعنى عنده: أنّ الله لا يغفر الشرك لمن يشاء أن لا يغفر له بكونه مات على الشرك غير تائب منه، ويغفر ما دون الشرك من الكبائر لمن يشاء أن يغفر له بكونه تاب منها.
والذي يدل عليه ظاهر الكلام أنه لا قيد في الفعل الأول بالمشيئة، وإن كانت جميع الكائنات متوقفًا وجودها على مشيئته على مذهبنا.
وأنّ الفاعل في يشاء هو عائد على الله تعالى، لا على من، والمعنى: ويغفر ما دون الشرك لمن يشاء أن يغفر له.
وفي قوله تعالى: {لمن يشاء}، ترجئة عظيمة بكون من مات على ذنب غير الشرك لانقطع عليه بالعذاب، وإن مات مصرًّا.
قال عبد الله بن عمر: كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مات الرجل على كبيرة شهدنا له أنه من أهل النار، حتى نزلت هذه الآية، فأمسكنا عن الشهادات.
وفي حديث عبادة بن الصامت في آخره «ومن أصاب شيئًا من ذلك أي من المعاصي التي تقدّم ذكرها فستره عليه، فأمره إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه» أخرجه مسلم.
ويروى عن علي وغيره من الصحابة: ما في القرآن آية أحب إلينا من هذه الآية. اهـ.

.قال الفخر:

{وَمَن يُشْرِكْ بالله فَقَدِ افترى إِثْمًا عَظِيمًا} أي اختلق ذنبا غير مغفور، يقال: افترى فلان الكذب إذا اعتمله واختلقه، وأصله من الفرى بمعنى القطع. اهـ.

.قال الطبري:

{وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)}.
يعني بذلك جل ثناؤه: {ومن يشرك بالله} في عبادته غيره من خلقه {فقد افترى إثما عظيما}، يقول: فقد اختلق إثما عظيمًا.
وإنما جعله الله تعالى ذكره مفتريًا، لأنه قال زورًا وإفكًا بجحوده وحدانية الله، وإقراره بأن لله شريكًا من خلقه وصاحبة أو ولدًا. فقائل ذلك مُفترٍ. وكذلك كل كاذب، فهو مفترٍ في كذبه مختلقٌ له. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَمَن يُشْرِكْ بالله} إظهارُ الاسمِ الجليلِ في موضع الإضمارِ لزيادة تقبيحِ الإشراكِ وتفظيعِ حالِ من يتصف به ولإظهار المهابةِ من الكفر. اهـ.

.قال ابن كثير:

وقد وردت أحاديث متعلقة بهذه الآية الكريمة، فلنذكر منها ما تيسر:
الحديث الأول: قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد، أخبرنا صدقة بن موسى، حدثنا أبو عمران الجوني، عن يزيد بن بابنوس عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدواوين عند الله ثلاثة؛ ديوان لا يعبأ الله به شيئا، وديوان لا يترك الله منه شيئا، وديوان لا يغفره الله. فأما الديوان الذي لا يغفره الله، فالشرك بالله، قال الله عز وجل: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ} [المائدة: 72] وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئا، فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه، من صوم يوم تركه، أو صلاة تركها؛ فإن الله يغفر ذلك ويتجاوز إن شاء. وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئا، فظلم العباد بعضهم بعضا؛ القصاص لا محالة». تفرد به أحمد.
الحديث الثاني: قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا أحمد بن مالك، حدثنا زائدة بن أبي الرقاد، عن زياد النمري، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الظلم ثلاثة، فظلم لا يغفره الله، وظلم يغفره الله، وظلم لا يتركه الله: فأما الظلم الذي لا يغفره الله فالشرك، وقال: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] وأما الظلم الذي يغفره الله فظلم العباد لأنفسهم فيما بينهم وبين ربهم، وأما الظلم الذي لا يتركه فظلم العباد بعضهم بعضا، حتى يدين لبعضهم من بعض».
الحديث الثالث: قال الإمام أحمد: حدثنا صفوان بن عيسى، حدثنا ثور بن يزيد، عن أبي عون، عن أبي إدريس قال: سمعت معاوية يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل ذنب عسى الله أن يغفره، إلا الرجل يموت كافرًا، أو الرجل يقتل مؤمنًا متعمدًا».
رواه النسائي، عن محمد بن مثنى، عن صفوان بن عيسى، به.
الحديث الرابع: قال الإمام أحمد: حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا عبد الحميد، حدثنا شهر، حدثنا ابن غنم أن أبا ذر حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يقول: يا عبدي، ما عبدتني ورجوتني فإني غافر لك على ما كان فيك، يا عبدي، إنك إن لقيتني بقراب الأرض خطيئة ما لم تشرك بي، لقيتك بقرابها مغفرة». تفرد به أحمد من هذا الوجه.
الحديث الخامس: قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا أبي، حدثنا حسين، عن ابن بريدة أن يحيى بن يعمر حدثه، أن أبا الأسود الديلي حدثه، أن أبا ذر حدثه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ما من عبد قال: لا إله إلا الله. ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة» قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: «وإن زنى وإن سرق» قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: «وإن زنى وإن سرق». ثلاثا، ثم قال في الرابعة: «على رغم أنف أبي ذر»! قال: فخرج أبو ذر وهو يجر إزاره وهو يقول: «وإن رغم أنف أبي ذر». وكان أبو ذر يحدث بهذا بعد ويقول: وإن رغم أنف أبي ذر. أخرجاه من حديث حسين، به.
طريق أخرى عنه: قال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن زيد بن وهب، عن أبي ذر قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرة المدينة عشاء، ونحن ننظر إلى أحد، فقال: «يا أبا ذر». فقلت: لبيك يا رسول الله، قال: «ما أحب أن لي أحدا ذاك عندي ذهبا أمسي ثالثة وعندي منه دينار، إلا دينارا أرصده- يعني لدين- إلا أن أقول به في عباد الله هكذا». وحثا عن يمينه وبين يديه وعن يساره. قال: ثم مشينا فقال: «يا أبا ذر، إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا». فحثا عن يمينه ومن بين يديه وعن يساره. قال: ثم مشينا فقال: «يا أبا ذر، كما أنت حتى آتيك». قال: فانطلق حتى توارى عني. قال: فسمعت لغطا فقلت: لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض له. قال فهممت أن أتبعه، ثم ذكرت قوله: «لا تبرح حتى آتيك» فانتظرته حتى جاء، فذكرت له الذي سمعت، فقال: «ذاك جبريل أتاني فقال: من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة». قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: «وإن زنى وإن سرق». أخرجاه في الصحيحين من حديث الأعمش، به.
وقد رواه البخاري ومسلم أيضا كلاهما، عن قتيبة، عن جرير بن عبد الحميد، عن عبد العزيز بن رفيع، عن زيد بن وهب، عن أبي ذر قال: خرجت ليلة من الليالي، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وحده، ليس معه إنسان، قال: فظننت أنه يكره أن يمشي معه أحد. قال: فجعلت أمشي في ظل القمر، فالتفت فرآني، فقال: «من هذا؟» فقلت: أبو ذر، جعلني الله فداك. قال: «يا أبا ذر، تعال». قال: فمشيت معه ساعة فقال: «إن المكثرين هم المقلون يوم القيامة إلا من أعطاه الله خيرا فنفخ فيه عن يمينه وشماله، وبين يديه وورائه، وعمل فيه خيرا». قال: فمشيت معه ساعة فقال لي: «اجلس هاهنا»، قال: فأجلسني في قاع حوله حجارة، فقال لي: «اجلس هاهنا حتى أرجع إليك». قال: فانطلق في الحرة حتى لا أراه، فلبث عني فأطال اللبث، ثم إني سمعته وهو مقبل، وهو يقول: «وإن سرق وإن زنى». قال: فلما جاء لم أصبر حتى قلت: يا نبي الله، جعلني الله فداءك، من تكلم في جانب الحرة؟ ما سمعت أحدا يرجع إليك شيئا. قال: «ذاك جبريل، عرض لي من جانب الحرة فقال: بشر أمتك أنه من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة. قلت: يا جبريل، وإن سرق وإن زنى؟ قال: نعم قلت: وإن سرق وإن زنى؟ قال: نعم. قلت: وإن سرق وإن زنى؟ قال: نعم، وإن شرب الخمر».
الحديث السادس: قال عبد بن حميد في مسنده: أخبرنا عبيد الله بن موسى، عن ابن أبي ليلى، عن أبي الزبير، عن جابر قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ما الموجبتان؟ قال: «من مات لا يشرك بالله شيئا وجبت له الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئا وجبت له النار». وذكر تمام الحديث. تفرد به من هذا الوجه.
طريق أخرى: قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا الحسن بن عمرو بن خلاد الحراني، حدثنا منصور بن إسماعيل القرشي، حدثنا موسى بن عبيدة، الربذي، أخبر عبد الله بن عبيدة، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من نفس تموت، لا تشرك بالله شيئا، إلا حلت لها المغفرة، إن شاء الله عذبها، وإن شاء غفر لها: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}».
ورواه الحافظ أبو يعلى في مسنده، من حديث موسى بن عبيدة، عن أخيه عبد الله بن عبيدة، عن جابر؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزال المغفرة على العبد ما لم يقع الحجاب». قيل: يا نبي الله، وما الحجاب؟ قال: «الإشراك بالله». قال: «ما من نفس تلقى الله لا تشرك به شيئا إلا حلت لها المغفرة من الله تعالى، إن يشأ أن يعذبها، وإن يشأ أن يغفر لها غفر لها». ثم قرأ نبي الله: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}.
الحديث السابع: قال الإمام أحمد: حدثنا أبو نعيم، حدثنا زكريا، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة». تفرد به من هذا الوجه.